"عزازيل" بعد هدوء العاصفة
الرواية الحاصلة على بوكر العربية 2009
الرواية الحاصلة على بوكر العربية 2009
قرأها لكم /محمد عثمان جبريل
قرأت رواية عزازيل أول مرة بعد أن أغرانى على ذلك صديق يعيش فى عالم الرواية العربية أكثر مما يعيش فى بيته ؛ لذا لم أشك فى إعجابه المنبهر؛ و اندفعت التهم أوراقها ؛ و أدركت من القراءة الأولى أن "عزازيل " هى أنموذج تطبيقى لنظرية د.يوسف زيدان فى الرواية : (هي صناعة إبداعية ثقيلة ففي الشعر يحلق الشاعر في الصورة الذاتية ويستعين على ذلك بالرهافة اللفظية، وفي القصة القصيرة ينطلق المعنى في النص كحجر المقلاع مثلما قال جلال الدين الرومي "المعنى في الشعر كحجر المقلاع ليس له اتجاه محدد".أما الرواية فهي بنية هندسية مشتملة على معارف كثيرة وسياقات مركبة وتداخلات فهي عالم متماسك به الهندسة واللغة وفيه المعرفة والحكاية الراقية وبه أيضا الخطاب الفلسفي مما يجعل الرواية صناعة إبداعية من الصناعات الثقيلة.) و أشفقت على كاتبها من أعاصير سونامى المتطرفة ...وكما قال الدكتور يحي الجمل أول من كتب عن الرواية على حد علمي فى خاتمة مقاله الذى نشر بالأهرام بعنوان" الشيطان عزازيل "( ويل لهيبا " الراهب بطل الرواية " وليوسف زيدان لو أن المؤسسات الدينية الرسمية قرأت ما خطته يمين كل منهما.)
وحقق الهجوم الكنسي و القبطي الشعبى للرواية ما يرجي من شهرة و انتشار كما يحدث فى الغالب مع الكثير من الكتب التى تلاقى هجوما ظلاميا من من ينصب نفسه متحدثا بالنيابة عن الإيمان ؛ و ان كانت هذه الرواية تستحق من حيث البناء و اللغة و السرد و الفكر هذا الذيوع ؛ وقد رشحت ضمن ستة أعمال للجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر العربى" و ستعلن الرواية الفائزة فى شهر مارس المقبل، و تعددت أساليب الهجوم من محاولة مصادرة الرواية إلى الرد عليها فى مؤلفات كتبها رجال دين و كأنهم يناقشون كتاب فى العقائد و دون النظر إلى طبيعة الرواية ؛ كما لاقت الأجزاء التى يصف فيها المؤلف علاقات الراهب النسائية؛ و إن كان اسهب فى وصف تفاصيل علاقته بأول إمرأة يعشقها؛ حتى وصفها بعض النقاد أنها مبالغة فى الوصف الجنسي أفسد على القارئ تركيزه فى تتبع جوهر الرواية ؛ يبدو ذلك من أول وهلة صحيحا،لكن عندما نقارن بين السرد فى علاقة هيبا بعشيقته الثانية "مرتا" نجده و كأنه يستحي من ذكر التفاصيل؛ ربما تبجيلا للمكان الذى دارت فيه الأحداث وهو الدير أو لأنه يحكى عن حاضر؛ أما حكايته مع "أوكتافيا" فهى ذكريات قديمة يسترجع تفاصيلها كنوع من العزاء ؛و أرى أن هناك دافع درامى وجيه لتوظيف تفاصيل العلاقة الجنسية بين "هيبا " الراهب الشاب القادم من أقصى الصعيد بالمرأة الناضجة الوثنية "أوكتافيا"التى تعيش فى الأسكندرية حاضرة الدنيا فى هذا الوقت فى تجسيد حالة الصدام بين نمطين للوعى بالحياة ؛ نمط مرجعيته وثنية يرى أن الجسد هو الوسيلة الرئيسة فى الاتصال بالحياة و نمط مسيحى ينكر الجسد بشكل تحريمي؛ لذلك أرى ان استخدام الجنس هنا لم يكن مغايرا لوحده نسيج الفكرة وجوهرها بل ساعد على إضاءة بعض جوانبها.
بمتابعتى للنقد الذى احتفى بالرواية و بالهجوم و التأييد الذين لم ينبعا من كونها رواية بل كتاب فى مقارنة الاديان ، وفى هذا ظلم لعمل روائي رصين وجميل فى نفس الآن ؛ لكن أرى أن الكاتب نفسه اشترك فى الايحاء للكثيرين بهذا التناول؛من اول الغلاف الذى وضع مصممه ( غير مذكور) قطعة بردية من مخطوطة مسيحية ؛ إلى المقدمة التى كتبها على لسان محقق و مترجم وهمى كتبها على منوال المقدمات العلمية للمخطوطات المحققة ؛ و الغريب أنه بدأها بعبارة مشوقة بشكل سينمائي ( كالمشهد(المثيرة) الذى يسبق التترات فى أفلام التشويق و الاثارة الامريكية): " يضم هذا الكتاب الذى أوصيت أن ينشر بعد وفاتى ، ترجمة أمينة قدر المستطاع لمجموعة اللفائف (الرقوق) " مما أعطي انطباعا لدي البعض و الغريب أن منهم من المتخصصين أن "عزازيل" ليست إلا نشر و تحقيق لمخطوطة قديمة أو على الأقل فهى رواية مستقاة من هذه المخطوطة ؛ و ساعد فى عدم إزالة هذا اللبس تخصص المؤلف وشهرته كباحث ومحقق للتراث الإسلامي و المسيحي ؛ وكانت هذه المقدمة و الصور التى تحدد مسرح أحداث الرواية صبغت عليها صبغة تسجيلية توثيقية ؛ طغت على حرصه على وضع كلمة "رواية " التى تحدد جنس الكتاب ؛ و بالإضافة لكل هذا اختياره للحديث النبوى الشريف" لكل امرئ شيطان ، حتى أنا ، غير أن الله أعاننى عليه فأسلم " و الذى صدر به الرواية فرآه البعض مفتاح لفهم طبيعة عزازيل الذى يقصده و البعض الآخر رآه و كأنه يريد ان يقول ان هذا كتاب ينتصر للتصور الإسلامي لطبيعة المسيح .
وقد برر زيدان اختياره لهذا القالب و الذى أسهم كثيرا فى اللبس ؛ أنه من صميم حرية المبدع؛ و أنه حرص على إظهار جنس الكتاب بكتابة كلمة "رواية "على الغلاف ؛ وهذا الرأى لا يمكن رفضه ؛ إلا فى حالات يصبح غير مقبولا ؛ مثل هذه الحالة ، فلا يصح أن يرسم فنان لوحته بالتقاليد و الألوان التى تخص عصر قديم ؛ ثم يقدمها على أنها من التراث ؛ حتى ولو كانت ضمن معرض عن أعماله الخاصة؛ أو مخرج يقدم فيلمه بشكل تسجيلى و يكتب فى مقدمته ان الأحداث التى تدور فيه واقعية ؛ و يحتج بأنه لم يقصد الخلط بدليل أن كتب على " أفيشات " الفيلم أنه فيلم روائى .
و برغم كل هذا و بعد هدوء العاصفة ؛ أدعو الجميع لقراءة " عزازيل " كعمل أدبى يحمل كثير من الرؤى العميقة و يلقى بظلاله على الواقع و تكشف لنا إن الإرهاب الفكرى و العنف ليس من صناعة عقيدة معينة بل هو نتاج لازم لمن يظنون أنهم متحدثين بالنيابة عن الله سبحانه.
وحقق الهجوم الكنسي و القبطي الشعبى للرواية ما يرجي من شهرة و انتشار كما يحدث فى الغالب مع الكثير من الكتب التى تلاقى هجوما ظلاميا من من ينصب نفسه متحدثا بالنيابة عن الإيمان ؛ و ان كانت هذه الرواية تستحق من حيث البناء و اللغة و السرد و الفكر هذا الذيوع ؛ وقد رشحت ضمن ستة أعمال للجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر العربى" و ستعلن الرواية الفائزة فى شهر مارس المقبل، و تعددت أساليب الهجوم من محاولة مصادرة الرواية إلى الرد عليها فى مؤلفات كتبها رجال دين و كأنهم يناقشون كتاب فى العقائد و دون النظر إلى طبيعة الرواية ؛ كما لاقت الأجزاء التى يصف فيها المؤلف علاقات الراهب النسائية؛ و إن كان اسهب فى وصف تفاصيل علاقته بأول إمرأة يعشقها؛ حتى وصفها بعض النقاد أنها مبالغة فى الوصف الجنسي أفسد على القارئ تركيزه فى تتبع جوهر الرواية ؛ يبدو ذلك من أول وهلة صحيحا،لكن عندما نقارن بين السرد فى علاقة هيبا بعشيقته الثانية "مرتا" نجده و كأنه يستحي من ذكر التفاصيل؛ ربما تبجيلا للمكان الذى دارت فيه الأحداث وهو الدير أو لأنه يحكى عن حاضر؛ أما حكايته مع "أوكتافيا" فهى ذكريات قديمة يسترجع تفاصيلها كنوع من العزاء ؛و أرى أن هناك دافع درامى وجيه لتوظيف تفاصيل العلاقة الجنسية بين "هيبا " الراهب الشاب القادم من أقصى الصعيد بالمرأة الناضجة الوثنية "أوكتافيا"التى تعيش فى الأسكندرية حاضرة الدنيا فى هذا الوقت فى تجسيد حالة الصدام بين نمطين للوعى بالحياة ؛ نمط مرجعيته وثنية يرى أن الجسد هو الوسيلة الرئيسة فى الاتصال بالحياة و نمط مسيحى ينكر الجسد بشكل تحريمي؛ لذلك أرى ان استخدام الجنس هنا لم يكن مغايرا لوحده نسيج الفكرة وجوهرها بل ساعد على إضاءة بعض جوانبها.
بمتابعتى للنقد الذى احتفى بالرواية و بالهجوم و التأييد الذين لم ينبعا من كونها رواية بل كتاب فى مقارنة الاديان ، وفى هذا ظلم لعمل روائي رصين وجميل فى نفس الآن ؛ لكن أرى أن الكاتب نفسه اشترك فى الايحاء للكثيرين بهذا التناول؛من اول الغلاف الذى وضع مصممه ( غير مذكور) قطعة بردية من مخطوطة مسيحية ؛ إلى المقدمة التى كتبها على لسان محقق و مترجم وهمى كتبها على منوال المقدمات العلمية للمخطوطات المحققة ؛ و الغريب أنه بدأها بعبارة مشوقة بشكل سينمائي ( كالمشهد(المثيرة) الذى يسبق التترات فى أفلام التشويق و الاثارة الامريكية): " يضم هذا الكتاب الذى أوصيت أن ينشر بعد وفاتى ، ترجمة أمينة قدر المستطاع لمجموعة اللفائف (الرقوق) " مما أعطي انطباعا لدي البعض و الغريب أن منهم من المتخصصين أن "عزازيل" ليست إلا نشر و تحقيق لمخطوطة قديمة أو على الأقل فهى رواية مستقاة من هذه المخطوطة ؛ و ساعد فى عدم إزالة هذا اللبس تخصص المؤلف وشهرته كباحث ومحقق للتراث الإسلامي و المسيحي ؛ وكانت هذه المقدمة و الصور التى تحدد مسرح أحداث الرواية صبغت عليها صبغة تسجيلية توثيقية ؛ طغت على حرصه على وضع كلمة "رواية " التى تحدد جنس الكتاب ؛ و بالإضافة لكل هذا اختياره للحديث النبوى الشريف" لكل امرئ شيطان ، حتى أنا ، غير أن الله أعاننى عليه فأسلم " و الذى صدر به الرواية فرآه البعض مفتاح لفهم طبيعة عزازيل الذى يقصده و البعض الآخر رآه و كأنه يريد ان يقول ان هذا كتاب ينتصر للتصور الإسلامي لطبيعة المسيح .
وقد برر زيدان اختياره لهذا القالب و الذى أسهم كثيرا فى اللبس ؛ أنه من صميم حرية المبدع؛ و أنه حرص على إظهار جنس الكتاب بكتابة كلمة "رواية "على الغلاف ؛ وهذا الرأى لا يمكن رفضه ؛ إلا فى حالات يصبح غير مقبولا ؛ مثل هذه الحالة ، فلا يصح أن يرسم فنان لوحته بالتقاليد و الألوان التى تخص عصر قديم ؛ ثم يقدمها على أنها من التراث ؛ حتى ولو كانت ضمن معرض عن أعماله الخاصة؛ أو مخرج يقدم فيلمه بشكل تسجيلى و يكتب فى مقدمته ان الأحداث التى تدور فيه واقعية ؛ و يحتج بأنه لم يقصد الخلط بدليل أن كتب على " أفيشات " الفيلم أنه فيلم روائى .
و برغم كل هذا و بعد هدوء العاصفة ؛ أدعو الجميع لقراءة " عزازيل " كعمل أدبى يحمل كثير من الرؤى العميقة و يلقى بظلاله على الواقع و تكشف لنا إن الإرهاب الفكرى و العنف ليس من صناعة عقيدة معينة بل هو نتاج لازم لمن يظنون أنهم متحدثين بالنيابة عن الله سبحانه.
نشرت بجريدة الديارـــ المصرية فى باب ديار الثقافة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق